خلفيات وأهداف التقارب بين بعض الدول العربية والكيان الإسرائيلي

 

يشهد الشرق الأوسط في الوقت الحاضر سلسلة من التطورات المثيرة للإنتباه بينها التخبط والإرتباك الواضح الذي ينتاب التحالف الغربي بقيادة أمريكا في كيفية التعامل مع أزمات المنطقة وفي مقدمتها الأزمة السورية خصوصاً بعد التقارب الروسي – التركي وقيام القوات التركية بمهاجمة أكراد سوريا الحليف الأهم لواشنطن في هذا البلد في هذه المرحلة.

من ناحية أخرى أعربت الكثير من الدول الأوروبية عن سخطها وإستيائها من الإجراءات التي يتخذها الكيان الإسرائيلي ضد المناطق السكنية الفلسطينية – التي بُنيت بدعم من الإتحاد الأوروبي – وذلك في إطار إنتقاداتها المستمرة للسياسة التي تنتهجها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” الرامية إلى توسيع الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

يأتي هذا في وقت إنتقد فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبصراحة الدول العربية الحليفة لواشنطن بسبب الضغوطات التي يواجهها في داخل أمريكا وخارجها والتي تطالبه باتخاذ موقف حازم تجاه الدول التي تدعم الإرهاب وفي مقدمتها السعودية.

حول هذه التطورات نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية تقريراً ركّزت فيه على العلاقات العربية – الإسرائيلية في ظل سياسة التطبيع التي تنتهجها بعض الأنظمة العربية مع كيان الإحتلال والتي لم تشهد مثيلاً منذ إغتصاب فلسطين عام 1948 وحتى وقت قريب.

وأشارت الصحيفة إلى أن 18 بلداً عربياً من أصل 21 تربطهم علاقات مع الكيان الإسرائيلي بعضها علني كمصر، فيما يجري البعض الآخر خلف الكواليس كما هو الحال مع السعودية ودول عربية أخرى في المغرب العربي ومجلس التعاون.

وما يثير الإنتباه أن الكثير من الدول العربية وعلى الرغم من علاقاتها “العلنية أو السريّة” مع الكيان الإسرائيلي لا زالت تربطها علاقات جيدة مع حركة “حماس” التي لا تعترف بهذا الكيان، وتسعى في الوقت نفسه لمواجهته بشتى الوسائل الممكنة مع باقي الفصائل الفلسطينية المقاومة.

وعند قيام أمريكا أو أيّ دولة أوروبية كفرنسا وألمانيا ببيع أسلحة متطورة إلى الدول العربية التي تربطها علاقات مع الكيان الإسرائيلي يقوم هذا الكيان بتوجيه إنتقادات شديدة اللهجة للدول الغربية، الأمر الذي يثير إستغراب المحللين والمتابعين ويجعلهم يتساءلون عن حقيقة هذه الإنتقادات وما يجري خلف الكواليس، في وقت يعلم الجميع بأن الدول الغربية لا تتخذ أيّ خطوات من شأنها أن تثير إستياء كيان الإحتلال ما لم يكن هناك ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية في هذا المجال.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجنرال المتقاعد من القوات المسلحة السعودية “أنور عشقي” قد قضى الشهر الماضي عدّة أيام في مدينة القدس المحتلة والتقى عدداً من المسؤولين الإسرائيليين، بينهم مقربون من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بالإضافة إلى المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية “دوري غولد” وأعضاء في البرلمان الإسرائيلي “الكنيست”. وهذه اللقاءات هي الثانية لأنور عشقي مع مسؤولي الإحتلال خلال أقل من عام.

وذكرت صحيفة “ديلي تلغراف” كذلك أن السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن تفاخر الصيف الماضي بلقاءاته مع عدد من السفراء العرب، واصفاً إيّاهم بأنهم “أناس إستثنائيون”، لافتة كذلك إلى أن وزير الطاقة الإسرائيلي كان قد زار في كانون الثاني/ يناير دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك بعد الإعلان عن فتح مكتب إسرائيلي في أبو ظبي.

وكشفت الصحيفة عن أن الجواسيس من كلا الطرفين تعاونوا على التخطيط سراً، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن العلاقة بينهما تشبه العلاقة بين الخليلة أو العشيقة مع الرجل المتزوج، فهناك طرف يرغب بأن يعلن عن هذه العلاقة على أمل شرعنة وضعه الاجتماعي، وطرف آخر يريد أن تظل العلاقة سراً؛ خوفاً من التداعيات المحلية، حيث تخشى معظم الدول العربية من ردود الأفعال الشعبية في حال قامت بتطبيع العلاقة مع إسرائيل، في ظل غياب حل شامل للقضية الفلسطينية.

وأضافت الصحيفة: “لا أحد لديه شك حول ما دعا إلى التقارب بين بعض الدول العربية والكيان الإسرائيلي، في إشارة إلى إيران ومحور المقاومة الذي تدعمه في المنطقة لاسيّما حزب الله الذي تشكل بدعم من طهران منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولديه الآن أعداداً كبيرة ومتطورة من الصواريخ التي تقض مضاجع القيادات الإسرائيلية، كما لديه مقاتلين يشاركون في القتال ضد الجماعات الإرهابية التي تحظى بدعم العديد من الدول العربية وفي مقدمتها السعودية وقطر والتي تسعى لإسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد الحليف الإستراتيجي الآخر لطهران في المنطقة. كما أشارت الصحيفة إلى الدعم الذي تقدمه إيران للشعب اليمني في التصدي للعدوان السعودي المتواصل منذ عام ونصف العام.

ولفتت الصحيفة إلى أن الدول الغربية وتحديداً أمريكا إختارت التعاطي بدل المواجهة مع طهران فيما يتعلق بالملف النووي، ووقعت إتفاقاً معها بهذا الشأن العام الماضي، كما زار الرئيس الإيراني حسن روحاني كلاً من باريس وروما، ومن هنا يصدق المثل القائل (عدو عدوي صديقي) على العلاقة القائمة بين بعض الدول العربية والكيان الإسرائيلي حسب تعبير الصحيفة.

وأوردت الصحيفة نقلاً عن مسؤول إسرائيلي بارز تحدث لدبلوماسيين أمريكيين بشأن وثائق كانت قد سُرّبت عام 2010، قوله: “تعتقد دول مجلس التعاون أنها تستطيع الإعتماد على إسرائيل ضد إيران”، وعلّقت الصحيفة على هذا الكلام بالقول “إن الجهود القائمة حالياً هشّة، وقد تتبخر في حال تصاعدت حدّة الإنتفاضة الفلسطينية، وفي الوقت الذي لم يتجه فيه نتنياهو باتجاه التسوية مع الفلسطينيين، فقد يتجه رئيس حكومة أقل تطرفاً منه إلى هذا الأمر لو وقف العرب في سفينة واحدة”.

ورأت الصحيفة أن “هناك نقطتين ينبغي لوزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، ووزير الخارجية الأمريكي المقبل، أخذهما بنظر الاعتبار؛ الأولى هي أن علاقة الغرب مع دول مجلس التعاون وإسرائيل تبدو مهمة للتدخل في الشرق الأوسط عندما تتطلب المصالح، والثانية هي أن إيران لا يمكن أن تكون بديلاً للغرب في هذا المجال، مشيرة إلى أن الجواسيس العرب والبريطانيين يتبادلون المعلومات الأمنية بهذا الخصوص وبشكل يومي”.

وقالت الصحيفة “يجب ألا تسمح بريطانيا الخارجة من الإتحاد الأوروبي، لفرنسا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى بالهيمنة على علاقات أوروبا الاقتصادية مع إيران الخارجة توّاً من الحظر. كما يجب ألا تخشى لندن من تطوير علاقاتها الدبلوماسية مع طهران إلى مستوى السفراء، وفي النهاية فإن العلاقات العربية – الإسرائيلية هي الآن في حالة تغير، وعلى الدبلوماسية البريطانية أن تكون ذكية بما فيه الكفاية للتكيف مع المستجدات التي تشهدها المنطقة”.

قد يعجبك ايضا