الحدث الاستراتيجي .. وترف التعاطي… بقلم/علي احمد جاحز

 

يتعب ابطالنا من مهندسين وخبراء وفنيين ومقاتلين وقادة في صناعة الانجازات الكبرى والاستراتيجية ، وطوال فترة الحرب العدوانية التي تقود امريكا فيها كل عتاولة الشر العالمي ، كان ولايزال كل ما ينجزه الجيش واللجان الشعبية حدث كبير واستراتيجي وفي اقل الحالات يعتبر حدثا غير اعتيادي وملفت ويقرأه المراقبون بدهشة وذهول .

مشكلتنا التي تحدثت عنها مرارا تكمن في اننا اصبحنا نرى انجازات ابطالنا بكونها مألوفة واعتيادية ، وكلما صنعوا حدثا استراتيجيا جديدا اكبر من سابقه فرحنا به واحتفينا به لساعات ثم طمعنا في انجاز اكبر وحدث اكبر ، فضلا عن اننا بتنا ننسى الانجازات السابقة ونكاد لا نعتز بها كارصدة في مخزون مجدنا وانجازاتنا البطولية .

ان ما نجسده من اداء في هذه المعركة كبير ويكفي لأن نباهي العالم طوال حياتنا ونصنع منه كل يوم مواد تحليلية وفيلمية وحوارات وندوات وكتابات ادبية وسيناريوهات لافلام ومسلسلات …. الخ ما يكفي لإغناء المكتبة التاريخية التي يفترض ان نتركها للاجيال القادمة .

ترف غير صحي ذلك الذي صار يسيطر على تناولاتنا الاعلامية ولمنشوراتنا في مواقع التواصل مع الحدث الاستراتيجي، وصلت صواريخنا الى خميس مشيط واحتفينا واعتبرناه حدثا كبيرا واستراتيجيا ولمسنا تأثيره في معنوياتنا كمجتمع صمود وتصدي ، ثم وصلت صواريخنا ابها فاصبحنا ننظر الى خميس مشيط هدفا اعتياديا وحين وصلت الى جدة باتت ابها هدفا غير استرايجي ، واستهدفنا عددا من الزوارق البحرية والبارجات واحتفينا في وقتها ثم اصبنا بارجة اماراتية فكان تعاطينا معها واحتفاءنا بها عاليا ثم حين اصبنا بارجة سعودية اصبح التعاطي اخف من السابق بل اننا ربما ننجر الى مواضيع هامشية تطغى على الحدث .

وقبل ايام وصلت صواريخنا الى الرياض وهو حدث جيواسترايتجي يتجاوز تأثيرة مجرد اثبات قدرة وقوة بل يتعداها الى كونه تهديد عالي الخطورة قد يجعل العدوان يعيد النظر في كل حساباته في هذه الحرب ، وبسبب ترف التعاطي مع الاحداث كان الاحتفاء به على شكل منحنى بدأ من القمة وانحدر سريعا الى الصفر في غضون يومين سواء على مستوى الاداء الاعلامي التلفزيوني والصحفي والتحليلي والكتابات الحرة ، ليصبح حدثا قديما في غضون ايام ، بل وظهرت سريعا الاطماع في حدوث ما هو اكبر، ولو قارناه بالتعاطي مع ضربة توشكا في مارب او في باب المندب لعرفنا الفرق .

نطمح في ان تصل صواريخنا الى تل ابيب والى دبي وغيرها ، لكن ليس صحيا ان نترك الحدث الواقعي الذي نعيشه لنذهب بعيدا الى احداث نطمع في ان تحدث من منطلق ان ماحدث لم يشبع فينا غرورنا ورغباتنا المترفة التي لاتعي ماذا يعني الانجاز وماذا يحتاج وكيف يصنع ، فقط تقتل الحدث الحالي وتضع صانعوه في مربع الاتهام بالتقصير او المطالبة المتهكمة بالانتقال الى ماهو اكبر واضخم .

الطمع في حدوث ما هواكبر ليس صحيا مثل الطموح في الوصول الى ما هو اكبر ، فالطمع يأتي من قناعة بان الانجاز الحالي ليس مفيدا وليس مهما ، والطموح هو بناء موضوعي على الانجاز الحالي وعلى اهميته وتأثيره وفوائده وثماره ، مالذي يجعلنا ننسى الحدث وندعه يمر دون ان نقرأ ابعاده وتأثيره ونتابع تداعياته ونصنع من خلاله هيبة وننصف صانعيه وجهودهم وتعبهم ونترك العالم كله يشعر بفخامة ما انجزناه بدلا من ان يقرأ المتابعون في ردود افعالنا مجرد احتفاءات انفعالية وقتية لاتنطلق من وعي.

المصيبة التي نعانيها ان اداء الاعلام والناشطين يفتقر الى الوعي ، وهو اساسية مهمة في هذه المرحلة ، العدو مع كل انجاز مهما كان تأثيره يصنع لنا عبر ادواته فخاخا تستهدف اصطياد الوعي مثل بث اشاعة او اثارة قضايا تافهة وهامشية واعطائها هالة من الاهمية تجر اعلاميينا وناشطينا الى الذهاب اليها وترك الحدث الاهم ليطغى شجار بين شخصين تافهين على ضرب بارجة ، ويطغى خبر حسابات الطرطور الفلاني في الفيسبوك على حدث عالي التأثير في معادلة الحرب مثل وصول صاروخ بركان الى الرياض ، وهذا يتطلب منا ان نكون على قدر عال من الوعي باهمية الانجازات وبواجبنا تجاهها وبكيفية الحفاظ عليها وكيف ندفع باتجاه ان تحقق اهدافا كثيرة يفترض ان تحققها.
#جبهة_الوعي

يوميات – صحيفة الثورة – عدد الغد الاربعاء الموافق 08 فبراير 2017م

قد يعجبك ايضا