نهوض الأمة الإسلامية من قلب التضحية الحسينية

الحقيقة /حميد حلمي زادة

ثمة ما يلفت النظر بشكل مدهش، وهو ان جميع المشاريع والتحركات الإستكبارية الدولية والاقليمية والرجعية التي استهدفت تطويق منجزات المدرسة العاشورائية النهضوية وايقاف امتداداتها التنويرية في مختلف انحاء العالم عموما، وفي المنطقة الاسلامية والعربية خصوصا، جاءت بنتائج معكوسة تماما، ولفائدة المجاهدين والمقاومين الحسينيي النهج والبطولة والتضحية.

والمقولة هذه لم ولن تطلق اعتباطاً، لأن مدرسة كربلاء التضحوية كانت وستبقى معينا ملهما للثوار والاحرار المظلومين الذين يتمسكون على الدوام بمبدأ التصدي للطواغيت والمستكبرين والمنحرفين، تأسيا بثورة الامام الحسين بن علي(عليهما السلام) الذي حصّن باستشهاده هو وابنائه واخوانه واصحابه الكرام الامة الاسلامية في جميع الأزمنة وحتى قيام الساعة.

المتابعون لاحداث الشرق الاوسط وتطوراتها منذ العام 2006 (انتصار حزب الله على العدو الصهيوني) وحتى وقتنا الحاضر، تلمّسوا باعينهم هذه الحقيقة بوضوح عندما تحول المقاومون الاسلاميون الحسينيون من مجرد “ميلشيات مسلحة ” هدفها تطهير أراضي وطنهم في الجنوب والبقاع اللبناني من جيش الاحتلال الإسرائيلي، الى قوة اقليمية متعاظمة اليوم تمارس دورها الرسالي الشريف في احباط المشروع الفتنوي التكفيري على مستوى سوريا والعراق  إضافة الى لبنان .

فيما ازداد الرصيد الجماهيري لأمين عام حزب الله سماحة العلامة السيد حسن نصرالله(أعزه الله تعالى)، على مستويي المنطقة والعالم  أضعافا مضاعفة، وقد طغت شهرته الدولية أكثر من ذي قبل، على الرغم من كل الحملات التشويهية والتبشيعية التي رصد لها الاستكبار الغربي والصهيونية العالمية والرجعية البتروعربية ماكناتهم السياسية والمالية والاستخبارية والاعلامية والنفسية، فضلا عن فتاوى الوهابية الحاقدة وبعض وعاظ السلاطين في البلدان الخليجية، التي هي ايضا اضطلعت بشكل رهيب في تبني الجماعات الارهابية المسلحة كـ “القاعدة وداعش وجبهة النصرة وتفريعاتها” وفي تمويلها وتغطية مذابحها وجرائمها المنافية للدين الحنيف، في فضائياتها ووسائلها الدعائية الضخمة.

الإنتقالة الاخرى حصلت في العراق، البلد الذي ظن داعش واسيادهم  من ملوك النفط الجهلة بأنه قد ازف موعد الزحف على عاصمته بغداد بعد سيطرة التكفيريين  على محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار واخيرا الموصل نتيجة للارتزاق والخيانة اللذين كانا قد تعشعشا في صفوف القوات المسلحة.

ومن المعروف ان ارهابيي “داعش والقاعدة والنصرة” كانوا ولايزالون يجاهرون في مناصبة العداء للمسلمين الشيعة، وابناء الطائفة العلوية الكريمة، وقد ارتكبوا مجازر فظيعة بحق الابرياء رجالا ونساء واطفالا من اتباع آل البيت النبوي الشريف(صلوات الله وسلامه على الرسول الأعظم محمد وعلى أهل بيته الاطهار)، في مختلف المناطق التي استولوا عليها بسوريا والعراق، فضلا عن التفجيرات الغادرة التي نفذوها في بيروت ومناطق اخرى من لبنان.

اللافت ان شعارات داعش واخواتها ليست سوى مدعيات فارغة وعقيمة وهامشية، كما ان مقاتليها ليسوا سوى اناس مغفلين تم تجنيدهم لمحاربة ابناء(عاشوراء والنهضة الحسينية الوثابة) في دول محور المقاومة (ايران وسوريا ولبنان والعراق)، إنتقاما من تمسك هذا المحور بعقيدة مكافحة المشروع التوسعي الصهيوني الغربي في العالم الاسلامي.

لكن ما جرى في العراق ـ خصوصا ـ  أفزع “آل سعود وحلفاءهم في محميات البترول الخليجية العربية ومن ورائهم “اسرائيل” واميركا والغرب المتصهين، عندما انبرى العراقيون شباباً وشيوخاً واحداثاً لتلبية فتوى المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الاشرف بإعلان (الجهاد الكفائي) في حزيران 2014، فكان تشكيل فصائل الحشد الشعبي على هدي مدرسة التضحية الحسينية وملحمة عاشوراء بداية لتلاشي تكفيريي داعش واندحارهم واعوانهم من فلول البعث الصدامي الدموي.

الحشديون ومعهم ابناء الجيش ساروا جنبا الى جنب، فتصدوا لزحف الدواعش والبعثيين على بغداد، وطهروا محافظات صلاح الدين والانبار وديالى وقطعوا دابر التكفيريين في مدينة الفلوجة المهمة ومناطق شاسعة من البادية الغربية للعراق.

المجاهدون الحشديون واقتداء بسيدهم ومثلهم الاعلى  شهيد كربلاء(الامام الحسين ـ عليه السلام) سطروا ملاحم خالدة عمدوها بتضحيات مذهلة ، حيرت عقول الجنرالات والمستشارين الدوليين . ومع كل دخول للمناطق التي حرروها من دانس الارهابيين ، فإنهم منحوا المحبة والامان والاطمئنان لأهاليها الذين كانوا رهائن حقيقيين بأيدي الدواعش.

عاشوراء هي مدرسة قوامها القرآن الكريمة والسنّة النبوية الشريفة وتعاليم رسول الله وأهل بيته الاطهار(صلى الله عليه وآله وسلم)، والامام الحسين(عليه السلام) هو خير من جسد هذه التعاليم في واقعة الطف عام 61 هـ، فحارب الطغيان الاموي الذي حاول عبثا القضاء على الاسلام المحمدي الأصيل، والعودة بالامة الاسلامية الى الجاهلية الاولى، ومصادرة تضحيات الرعيل الأول من المؤمنين، وتجييرالخلافة لمطامعه واهوائه ومفاسده السافرة.

وازاء ذلك ليس غريبا ان ينعق وزير خارجية النظام السعودي “عادل بن جبير” نعيق الغربان، مخافة مشاركة (ابطال الحشد الشعبي  الحسينيين العاشورائيين) في عملية تحرير محافظة الموصل و تطهيرها من دنس الدواعش وفُتات البعث البائد.

فبصرف النظر عن أن هذا الموقف يمثل وقاحة دبلوماسية منقطعة النظير على مستوى العلاقات والأعراف الدولية، إلا ان الثابت هو انّ بن جبير وأسياده آل سعود يجسدون خط الارهاب التكفيري الناصبي الوهابي. وجرائم هذا الخط انتشرت في العالم وحتى في اميركا واوروبا، وهي اوضح من الشمس في اليمن الشهيد والبحرين المضطهد. ومع ذلك فانه خائف ومذعور بشدة من مفاخر أتباع مدرسة التضحية الحسينية ومكاسبهم الفذة طيلة العقود الاربعة الماضية في ايران والعراق ولبنان وسوريا.

فعاشوراء الصمود والاستشهاد هو اليوم دوحة من المثل العليا والمعاني السامية والمواقف النبيلة وهو ممارسة عملية سليمة و راشدة  في البذل والفداء والتضحية على طريق إحقاق الحق وازهاق الباطل، المعنى الذي يصيب بالرعب والفزع والتخبط حتماً، قوى الاستكبار العالمي والصهيونية البغيضة، ومرتزقتهم من حكام الفتن والانحراف والجاهلية في المنطقة.  

 

قد يعجبك ايضا